Sociology Arabic Logo
Instagram LogoTelegram LogoFacebook LogoYoutube Logo

ما هو الاحتكام الاجتماعي؟

يشير مصطلح الاحتكام الاجتماعي إلى العملية التي يلجأ فيها الأفراد إلى محيطهم الاجتماعي للاسترشاد به في توجيه سلوكهم، وتأكيد آرائهم، أو تفسير المواقف الغامضة. ومن منظور علم الاجتماع، يُعد هذا المفهوم آلية محورية في تنظيم المجتمع، وتعزيز التماسك الجماعي، والحفاظ على الاستمرارية الثقافية.

في جوهره، يتضمن الاحتكام الاجتماعي الرجوع إلى المعايير الاجتماعية، أو الأقران، أو الشخصيات ذات السلطة، أو الجماعات المرجعية، للحصول على التوجيه في سياقات غامضة أو معقدة. ويعكس هذا المفهوم الطبيعة العلائقية للإنسان؛ فنحن نادرًا ما نتخذ قرارات بمعزل عن الآخرين، كما أن أحكامنا تتأثر بشكل كبير بتوقعات وسلوكيات وردود أفعال من حولنا.

واحدة من النظريات الأساسية المرتبطة بهذا المفهوم هي نظرية المقارنة الاجتماعية التي قدّمها ليون فستنجر. ورغم أن جذورها في علم النفس، فإن انعكاساتها السوسيولوجية عميقة. إذ يقارن الأفراد أنفسهم بالآخرين لتقييم مواقفهم أو قدراتهم أو اختياراتهم، وبهذا يكونون في حالة "احتكام" لتصوراتهم الذاتية عبر مرآة اجتماعية. ويكتسب هذا أهمية خاصة في المجتمعات ذات القيم الجماعية القوية، حيث لا يُنظر إلى تصرفات الفرد بمعزل، بل تُقيّم ضمن الإطار الجمعي.

في علم الاجتماع، تُعد الجماعات المرجعية من المفاهيم الأساسية لفهم الاحتكام الاجتماعي. وهي الجماعات التي يستخدمها الأفراد كنموذج لتقييم أنفسهم وسلوكهم. فقد يقيس شخص ما نجاحه من خلال مقارنة نفسه بالأقران أو المؤثرين في وسائل التواصل أو حتى بجماعات أيديولوجية. وغالبًا ما يُحدد ما هو "مقبول" أو "مرغوب" أو "راقي" استنادًا إلى معايير هذه الجماعات.

يرتبط الاحتكام الاجتماعي ارتباطًا وثيقًا بـالمعايير الاجتماعية والتوافق الجماعي. إذ كثيرًا ما يحتكم الأفراد إلى المعايير السائدة في مجتمعاتهم لتجنّب العقوبات الاجتماعية كالإقصاء أو السخرية أو فقدان السمعة. ويظهر هذا بوضوح في مجالات مثل الملبس أو طريقة الحديث أو الأحكام الأخلاقية، حيث قد يؤدي الخروج عن المألوف إلى الرفض أو الاستهجان.

وفي المجتمع الحديث، غيّرت وسائل الإعلام والمنصات الرقمية من آليات الاحتكام الاجتماعي. فلم يعد الأفراد يتأثرون فقط بالمجتمعات المباشرة من حولهم، بل أصبحت الصور والتوجهات العالمية المعلبة تُشكل مرجعًا جديدًا. وتقوم الخوارزميات بتضخيم سلوكيات وآراء معينة، ما يخلق معايير جديدة، قد تكون غير واقعية، للنجاح أو الجمال أو السعادة، مما يؤدي إلى شبكة معقدة ومتناقضة من المرجعيات التي يجب على الأفراد التعامل معها.

في الختام، يُعد الاحتكام الاجتماعي عملية اجتماعية تعكس مدى ارتباط الفرد بعالمه الاجتماعي. فهي تُسهم في ضبط السلوك، وصياغة الهوية، وتحقيق الاستقرار. ويُعتبر فهم كيفية حدوث هذا الاحتكام، ومتى، ومن يُحتكم إليه، مفتاحًا أساسيًا لدى علماء الاجتماع لتحليل أعمق لبُنى السلطة والثقافة والتغيير الاجتماعي.